الفصل التاسع عشر .
لقد وصلنا فى الفصل الماضى عندما امنوا الساحره مع سيدنا موسى عليه السلام و قام فرعون بامر جنوده بتعذيبهم ، أخذ الله آل فرعون بالسنين لعلهم يذكرون و يوقنون بكلام نبي الله ، فأصيبت البلاد بالجدب و قلة الأمطار ، و قال لهم موسى :
هذه آية من آيات الله لتعلموا أنه هو الذي يرزق بالمطر و يمنعه و ليس فرعون ، لكنهم قالوا لموسى :
إنه لسحر منك ، و إنه لمن شؤمك و من شؤم ما جئت به أنت و قومك .
و لما كشف الله عنهم الجدب و جاء المطر و الخصب قالوا :
هذا الخير جاء ببركتنا لأننا نستحقه و هو الذي يليق بنا .
كانت مصر أرض زراعية كثيرة الثمار ، فعاقبهم الله بنقص من الثمرات لعلهم ينتهوا عن كفرهم و يستمعوا لموسى ، لكنهم كعادتهم أساءوا لموسى و تشائموا به مع كل مصيبة تحل عليهم ، وقالوا له :
مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين .
فجاءهم موسى بآية أخرى من عند الله ، فأرسل الله عليهم الطوفان و نزلت السيول التي أغرقت البلاد ، فهرولوا إلى موسى و قالوا :
يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك و لنرسلن معك بني إسرائيل .
فلما كشف الله عنهم هذا البلاء نكثوا و خالفوا و عودهم .
فجاءهم موسى بآية أخرى من عند الله و هي الجراد الذي انتشر في البلاد فأكل الزروع و الثمار و دخل البيوت و العمران إلا بيوت بني إسرائيل ، فلجأوا لموسى أن يدعو ربه أن يذهب هذا الرجز عنهم و ينفذوا ما طلبه منهم ، فلما رفع الله هذا البلاء و انصرف الجراد ، عادوا فنكثوا و عودهم .
فجاءهم موسى بآية آخرى و هي آية القمل ، فانتشر السوس و البراغيث في بيوت آل فرعون و في فراشهم فلم يقر لهم قرار و لم يمكنهم معه الغمض ولا العيش ، و لم يصب بنو إسرائيل من ذلك ، فذهبوا لموسى ليطلبوا منه رفع البلاء و وعدوه أن يؤمنوا و يرسلوا معه بني إسرائيل ، لكنهم أخلفوا ما وعدوا به .
فلما خالفوا وعدهم ، جاءهم موسى بآية أخرى من آيات الله و هى الضفادع ، فانتشرت الضفادع انتشاراً كبيراً في آل فرعون حتى كانت تسقط في طعامهم و أوانيهم ، بل وصل آذاها لدرجة أن أحدهم إذا فتح فمه لطعام أو شراب سقطت فيه ضفدعة ، و لم يصب بنو إسرائيل من هذا البلاء بشئ، ففزعوا إلى موسى يطلبون منه أن يرفع ربه البلاء و أقسموا أنهم ليؤمنون به ، فلما رفع الله البلاء عنهم لم ينفذوا شيئاً من كلامهم .
فجاءهم موسى بآية أخرى من عند الله ، و هي مزج الماء بالدم ، فأصبح النيل مخلوطاً بالدم ، و اختلطت مياه آبارهم بهذا الدم القذر ، ففزعوا إلى موسى و قالوا :
يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون ، فلما رفع الله هذا الرجز عن النيل ، إذا هم ينكثون .
لم يرد الله الهداية لهؤلاء ، فالهداية بيد الله و ليست بأيديهم ، فقد ختم الله على قلوبهم بالكفر ، و كلما جاءتهم آية أكبر من الآيات التي سبقتها استكبروا و جحدوا و لم يؤمنوا ، بل أساءوا الأدب مع نبى الله و كانوا يسخرون منه ، و لم يخلد ببالهم أن الله يلزمهم الحجة و يمهلهم ، لكن ذرية قليلة من قوم فرعون آمنوا و كتموا إيمانهم خوفاً من بطش فرعون ، منهم زوجة فرعون و ابن عمه .
نادى فرعون في قومه ليقنعهم بخطأ موسى وضلاله و قال :
يا قوم أليس لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي ؟ أفلا تبصرون ؟ أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يستطيع أن ينطق كلمة سليمة ( يعير موسى بلدغة في لسانه ) ، فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين ( يقصد أن موسى كيف يكون رسول الله ولم يلقي له الله أسورة ذهب يلبسها أو تأتي معه الملائكة لتحرسه ؟ ) .
و استخف فرعون قومه فأطاعوه رغم فساد منطقه و ضعف حجته ، و رغم وضوح الآيات المتتابعات التي جاء بها موسى .
حاول فرعون خداع قومه و إثبات أنه إله ولا يوجد إله غيره ، فقال :
ما علمت لكم من إله غيري ، و مع هذا اذهب أيها الوزير هامان أوقد لي على الطين و ابن لى صرحاً مرتفعاً جداً حتى أصعد عليه و أبلغ أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى و إني لأظنه كاذباً .
و بنى فرعون قصراً عالياً لم ير بناء أعلى منه و كان مبنياً من الطوب التي تم صنعه بالطين و النار ، و كذلك زين لفرعون سوء عمله و صده الله عن سبيل المهتدين .
قال الملأ من قوم فرعون من الأمراء و الكبراء : يا فرعون ، أتذر موسى و قومه ليفسدوا في الأرض و يذرك و آلهتك .
فقال فرعون : سنقتل أبناءهم و نستحي نساءهم و إنا فوقهم قاهرون .
و انتشر الخوف و الفزع بين بني إسرائيل من قرار فرعون بقتل أبناءهم ، و اشتكوا لموسى فقال :
استيعنوا بالله و اصبروا ، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، و العاقبة للمتقين .
فقالوا :
أوذينا من قبل أن تأتينا و من بعد ما جئتنا .
قال : عسى ربكم أن يهلك عدوكم و يستخفلكم في الأرض فينظر كيف تعملون ، يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين .
قالوا : على الله توكلنا ، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ، و نجنا برحمتك من القوم الكافرين .
مؤمن آل فرعون .
و تحرك الذي آمن من قوم فرعون و راح يقوم بواجبه نحو دين الله و يدعو قومه للهداية ، و قد خلد القرآن موقف هذا المؤمن ، فقال لقومه : يا قوم اتبعوا نبي الله موسى ، إني أخاف عليكم إن رفضتم دعوته أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح و قوم عاد و الذين من بعدهم حين رفضوا دعوة نبيهم ، يا قوم إني أخاف عليكم حين يأتي يوم القيامة و ينادى عليكم مع الكافرين ، يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ، أتذكرون يوم أن جاء عزيز مصر يوسف نبي الله ، و هدى أهل مصر إلى عبادة الله ، و أحسن إلى الناس في دنياهم و أخراهم ، و كنتم تشكون في دعوته حتى إذا مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً ، لقد ثبت لكم خطأ ذلك و ها هو قد جاءكم رسول من سلالته و ذريته ، فمن اتبعه فهو على الحق ، أما من تكبر و تمرد فإن الله لا يهدي هذا المسرف المتشكك الذي يجادل في آيات الله بغير دليل .
كان هذا الرجل نعم المؤمن الذي يبذل ما بوسعه لهداية الناس حتى يؤمنوا بالله و يستجيبوا لنبيهم موسى عليه السلام فقال :
يا قوم اتبعوني لتكون مع نبى الله أهدكم سبيل الرشاد ، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع قليل لكن الآخرة هي دار القرار و الخلود ، أتعلمون أن من عمل سيئة فلا يجزى إلا بمثلها ؟ لكن من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب .
لم يستجب القوم لدعو هذا الرجل المؤمن رغم قوة حجته و صواب دعوته ، و طلبوا منه ألا يتبع موسى فهو من شيعة القبط ولا يصح له أن يتبع موسى الذي ينتمي لشيعة بني إسرائيل ، و طالبوه أن يظل على عبادة قومه و يتبع الفرعون ، فقال المؤمن :
يا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة و تدعونني إلى النار ؟ تدعونني لأكفر بالله و أشرك به ما ليس لي به علم و أنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ؟ لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة و أن مردنا إلى الله و أن المسرفين هم أصحاب النار ، فستذكرون ما أقول لكم و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد .
يا ترى ايه هيحصل تانى ؟
انتظروا الفصل القادم ؟
يتبع .
***********