رواية النار و الماء .
الفصل العشرون .
وصلنا الفصل الماضى عندى خسر فروعون المواجه امام موسى عليه السلام و اتبعه مجموعه من المؤمنين ، فقرار فرعون ان يتخلص من موسى عليه السلام و يقوم بقتله فقال فرعون :
ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد .
لما رأي ابن عم فرعون نية فرعون قتل موسى قال و هو يكتم إيمانه : أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله و قد جاءكم بالبيانات من ربكم ؟ و إن يك كاذباً فعليه كذبه ، و إن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم ، يا قوم أنتم أصحاب الملك اليوم المتمكنين في الأرض ، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ؟ أنسيتم أن الدول و الأقوام التي تعرضت للدين و الأنبياء قد سلبوا ملكهم و ذلوا بعد عزهم ، فاحذروا من قتل موسى ، و رفض فرعون المشورة و قال :
ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
و بيت فرعون النية لقتل موسى و التخلص منه .
و أوحى الله إلى موسى و أخيه هارون أن يتخذا لقومهما بيوتاً مميزة عن بيوت القبط و يجعلوها قبلة و يقيموا الصلاة فيها و يستعينوا بالصبر و الصلاة و يستبشروا بالفرج القريب ، و رفع موسى و هارون أيديهما و قال موسى :
ربنا إنك آتيت فرعون و ملأه زينة و أمولاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربما اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ، قال تعالى :
قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون .
استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم في الشام فأذن لهم و أعد لهم مكيدة للتخلص منهم و من موسى ، و خرج بنو إسرائيل و عددهم بمئات الآلاف يتقدمهم موسى نحو الشام ، بينما حشد فرعون مئات الآلاف من جنوده من كافة المدائن المصرية للحاق بموسى و بني إسرائيل لقتلهم ، و أوحى الله إلى موسى أن فرعون يتبع أثره ليأخذ حذره .
لحق فرعون و جنوده موسى عليه السلام و بني إسرائيل ، و أدركهم عند شروق الشمس يوم عاشوراء و تراءى الجمعان ، و أحيط بأصحاب موسى فأمامهم البحر و من وراءهم فرعون و جنوده و عن أيمانهم و شمالهم الجبال ، فقالوا لموسى و هم خائفون :
إنا لمدركون .
فقال موسى :
كلا إن معي ربي سيهديني .
و كان في الساقة فتقدم إلى المقدمة و نظر إلى البحر و هو يتلاطم بأمواجه و يتزايد زبد أجاجه و هو يقول :
ها هنا أمرت .
و معه أخوه هارون و غلامه يوشع بن نون ، و مؤمن آل فرعون ، فتقدم مؤمن آل فرعون و جعل يقتحم بفرسه مراراً في البحر هل يمكن سلوكه فلا يمكن ، و يقول لموسى عليه السلام : يا نبي الله أههنا أمرت ؟ فيقول : نعم .
فلما ضاق الحال و اشتد الأمر و اقترب فرعون و جنوده زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر فعند ذلك أوحى القدير إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ، فلما ضربه انفلق و أنشأ ممراً يابساً و المياه ترتفع على جانبيه كالجبلين العظيمين . فأمره الله أن ينحدر و أصحابه عبر هذا الممر مسرعين مستبشرين غير خائفين .
أسرع أصحاب موسى و عبروا هذا الممر حتى وصلوا إلى الجهة الأخرى سالمين ، فأراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان قبل وصول فرعون و جنوده ، فأمره الله أن يترك البحر كما هو حتى يأتي فرعون و ينحدر فيه فقد كتب الله عليه الغرق و الهلاك .
وصل فرعون إلى البحر و هاله هذا المنظر العظيم ، فاستخف قومه و قال :
انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الآبقين من يدي ، الخارجين عن طاعتي و بلدي ؟ و تقدم فرعون لدخول الممر و هو يتوجس خيفة فيقدم تارة و يحجم تارات ، فلما قطع شوطاً داخل الممر أسرع جنوده وراءه ، حتى إذا بلع أولهم نهاية الممر للخروج ، أمر الله موسى أن يضرب بعصاه البحر ، فارتطم عليهم و عاد كما كان .
غرق فرعون في البحر و جعلت الأمواج تخفضه تارة و ترفعه أخرى ، و بنوا إسرائيل ينظرون إليه و إلى جنوده ماذا أحلّ الله به و بهم من البأس العظيم و الخطب الجسيم ، ليشفي صدور بني إسرائيل و يقر أعينهم ، فلما عاين فرعون الهلكة و أحيط به و باشر سكرات الموت أناب حينئذ ، و تاب و آمن و قال :
آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل و أنا من المسلمين ، لكن إيمانه لم ينفعه وقت الاحتضار و معاينة العذاب ، و هلك فرعون غرقاً هو و وزراءه و جنوده أجمعين .
شك بعض بني إسرائيل في موت فرعون حتى قال بعضهم إنه لا يموت ، فأمر الله البحر فرفعه على مرتفع ، و عليه درعه التي يعرفونها من ملابسه ليتحققوا بذلك هلاكه ويعلموا قدرة الله عليه ، و هكذا نجى الله بدن فرعون ليكون عبرة و آية للآخرين .
هلك فرعون و غرق في البحر و سلب الله عزهم و مالهم و أنفسهم و أورثها بني إسرائيل الذين كانوا يستضعفون و ملكوا مشارق الأرض و مغاربها التي بارك الله فيها فأصبح لهم ملك مصر و أرض المقدس ، و تمت كلمة الله الحسنى على بني إسرائيل جزاء بما صبروا .
أصبح لبني إسرائيل بعد هلاك فرعون ملوكاً في الأرض و آتاهم الله ما لم يأت أحداً من العالمين ، و أصبحوا من كبراء مصر و تزوجوا نساء الأمراء و الكبراء الذين هلكوا مع فرعون ، و أصبح يوم هلاك فرعون عيداً و هو يوم عاشوراء ، و أصبح شهر المحرم هو بداية العام عندهم .
لكن بني إسرائيل تغيروا مع مرور الوقت و أصبح منهم الجاهل و المضل و ضعيف الإيمان ، فحين خرجوا مع موسى عليه السلام إلى الأرض المقدسة و جاوزوا البحر مروا على قوم كفار يعبدون الأصنام ، فسألوهم :
لم تعكفون على هذه الأصنام ؟ فقيل لهم :
إنها تنفعهم و يسترزقون منها و تضرهم إذا غضبت .
فقال بعض الجهال منهم لموسى :
يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .
قال موسى : ما هذا ؟ إنكم قوم تجهلون ! إن هؤلاء القوم لا يعقلون ولا يهتدون و عملهم باطل و ما هذه بآلهة ، أتطلبون مني أن أبغيكم إلهاً غير الله و هو فضلكم على العالمين ؟ و أنقذكم من فرعون و نجاكم منه بعدما كان يسومونكم سوء العذاب و يقتل أبناءكم و يستحي نساءكم ؟ إن هذا لجهل و ضلال !
بنو إسرائيل يرفضون الجهاد و يعاقبون بسنوات التيه .
كان بالأرض المقدسة قوماً جبارين من الحيثانيين و الفزاريين و الكنعانيين و غيرهم و قد أفسدوا في الأرض ، و كتب الله على المؤمنين القتال لدحر هؤلاء ، فأبلغ موسى بني إسرائيل بالأمر فرأى منهم تثاقلاً و ممانعة ، فخطب موسى فيهم :
يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء و جعلكم ملوكاً و آتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين ، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة لقتال أعداء الله الذي كتبه الله لكم ولا تنكصوا و ترتدوا على أعاقبكم فتنقلبوا خاسرين بعد الربح و تنقصوا بعد الكمال .
قالوا : يا موسى إن فيها قوماً جبارين و عتاة متمردين ، ولا يمكن لنا الدخول حتى يخرجوا منها أولاً فإن خرجوا ندخل معك .
قال رجلان ممن أنعم الله عليهم بالإسلام و الإيمان : هل تخافون من الجبارين و قد واجهنا من هو أشد منهم قوة ، فرعون و جنوده ، عليكم أن تهجموا و تدخلوا على الجبارين الباب ، فإذا دخلتم فإنكم بعون الله الغالبون ، و على الله توكلوا إن كنتم مؤمنين .
قالوا : يا موسى لا يمكن لنا أبداً أن ندخلها ما داموا فيها ، و إذا صممت على القتال ، فاذهب أنت و ربك فقاتلا و نحن هنا قاعدون ننتظركم حتى تنتهوا من القتال .
غضب موسى و هارون و من معهم ممن أنعم الله عليهم بالإيمان ، غضبوا من سوء أدب هؤلاء مع الله و نبيه ، و من مقالتهم العظيمة ، و خوفاً عليهم من ان ينزل عليهم من الله عقاب على نكوصهم و رفضهم لأوامر الله ، و رفع موسى عليه السلام يديه شاكياً إلى الله و قال : رب إني لا أملك إلا نفسي و أخي فافرق بيننا و بين القوم الفاسقين .
استجاب الله لدعاء موسى و نزل من الله عقاب على بني إسرائيل و هو عقاب التيه ، حيث حرم الله عليهم دخول هذه الأرض المقدسة و سلط عليهم الخوف ليتيهوا في الأرض لمدة أربعين سنة حتى يفنى من يفني من بني إسرائيل و يأتي من يأتي من الأجيال بعدهم .
لم يستقر لبني إسرائيل قرار على مدار الأربعين سنة فأصبحوا يسيرون من مكان لآخر ، و يحلون و يرتحلون ، و يذهبون و يجيئون ، يملؤهم الخوف ولا يشعرون باطمئنان ولا استقرار .
يا ترى ايه هيحصل تانى ؟
انتظروا الفصل القادم .
يتبع .
************