سكربت (ضحكة بطعم ...بقلم سلوي فاضل "Soly Fadel"
ضحكة بطعم
آه يا ياني، يا صغيرة علي الهم يا لوزة، اعرفكم بنفسي في لحظاتي الأخيرة، منتظرة الدور يجي عليا، واتعدم بأبشع طريقة ممكن تتخيلوها، وفي الوقت الضيق ده، قررت أكتب مذكراتي، أيوه مذكراتي – شيفاك ياللي بتضحك- ما تحكموش عليا بشكلي دلوقتي، أنا كنت بتنجناية صغننة وحلوة وبلمع كدة، ومافيش في بياضي، علي العموم كدة، كدة هكتبها، بالعند فيكم.
أنا فتحت عنيا لقيتني على غصن أخضر بالرغم إنه طالع من الأرض لكنه باصص للسما أصحي علي النور، الطيور، الشمس بدفاها واغمض عيني بعد ما أستمتع بلمعة النجوم ونور القمر الخافت، وكنت كل ما أكبر شوية، أحلم باليوم اللي أكون فيه حرة بعيدة عن غصني وشجرتي.
كان دايما بابانا اللي زعنا يجي يراعينا ويسقينا. انا فاكره اليوم اللي حصل فيه هجوم علينا من شوية حشرات عايزة تأذينا، قام علي طول وجاب أدواته، رشهم وموتهم كلهم صحيح بهدلنا معاهم وشربنا احنا كمان حاجة كدة يَعْ وريحته يَعْ يَعْ، بس كان قصده يحمينا فلازم نستحمل شويتين، ما مش انا لوحدي اللي شربت المُر.
كبرت بعد شوية اسابيع كتيرة وبقيت حلوة وقمر كدة، مطمع لكل عين جعانة، وجه اليوم اللي حلمت به كتير، وأتقطفت من شجرتي وكنت فاكرة إني هنطلق، طيرت من السعادة؛ لما ابونا اللي زرعنا مد ايده -بس با قليل الأدب مش قصدى كدة- وقطفني من غصني، وجمعني مع باقي أهلي في قفص واحد. وقتها انقسمنا نصين، نص زيّي فرحان، بيتنطط من السعادة، ونص يبكي ومهموم، ما فهمتش وما كدبتش خبر، جريت، قصدي أتدحرجت وروحت للباذنجان الأب وسألته.
أنا: ليه مش فرحان زينا؟
الباذنجان الأب: أفرح بإيه يا هبلة، اللي بيحصل فيه هلاك لينا.
أنا: ليه التشاؤم ده -كنت بتدحرج وسط الزحمة عشان أاكد كلامي- دي الحرية الـ حُـ رْ يَّـ ة، مفيش فرع يقيدني ويحركني هو والهوا غصب عنيّ .
الباذنجان الأب: مغفلة صحيح. مش هتفهمي، هتفضلي تقاوحي لحد ما تلاقي نفسك جوة بوء حد جعان، وآخرك مية سودا ريحتها فايحة. بقول لك ايه؟ اتدحرجي بعيد عن هنا، وسبيني في همي.
أتدحرجت، وانا بفكر، ومش فاهمة يقصد ايه؟ ليه ادخل بوء حد جعان؟ الفكرة يَعْ خالص. الغريب اني لمحت من بعيد ابونا اللي زرعنا بيبدلنا بشوية ورق ملون سمعته بيقول إسمه فلوس.
طلعونا العربية، وجه وقت المرح والتنطيط. كل شوية أحس إني بطير، مع أهلي وجيرانا، وأرجع تاني الزق في مكاني، الأول إستغربت، بعدين إنبسطت، ومع كل مرة أضحك من قلبي، بس الموضوع زاد عن حده، فرهدة وشقلبة، إحوليِّت، آه يا صغيرة علي الهم يا لوزة.
اخيراً وصلنا بلف بعيني المكان كدة، تنحت وفتحت بؤي علي الآخر، وفي الحقيقة الدبان فؤني؛ فقفلته بسرعة، ومن تاني شوفت الراجل اللي اخدنا بيدينا لواحد تاني، والورق اللي أخده أكتر بتاع مرتين تلاتة عن اللي دفعه، حاولت أقنع نفسي إن الجاى أحسن طبعا -احلام بنت عم اماني- لأني من بعد ما كنت علي غصني بقيت مرمية علي قطعة قماش مليانه تراب علي الأرض الباردة، واللي كِمل بإحساسي بالجوع والعطش، اللي بدأت أحس بهم، واهلي اللي بدأوا يوحشوني، واتباعوا لحد تاني، ومن هنا بدأت أحس بالخطر بدل الحرية، والوجع بدل الفرحة، سؤال إتولد جوايا يا تري ايه اللي لسة مستخبي، كلام الباذنجان الكبير بيتردد جوا عقلي، وبحاول أفهم معناه.
لكن قبل ما أفكر لقيت ست قربت مننا، صوتها غطي علي الدوشة اللي حواليا، وبدأت تقلب وتفعص فينا -روحي يا شيخة منك لله- حاولت أهرب منها، وأبعد، ولأن النصيب غلاب؛ فغلبني، وروحت معاها، حطتني في الشنطة اللي في إيدها، ومكنتش لوحدي.
أنا: إيه الزحمة ديه؟ وسعوا كده، انتوا مين؟
ردت الكوسة: شكلك جديدة في السوق، هعرفك علينا، انا الكوسة والحمرا اللي هناك، الطماطم، والأخضر اللي بيلمع، الفلفل والمدور اللي هناك البصل.
أنا: والورد اللي تحت واشكاله مختلفة؟
الكوسة: ورد؟! ديه الخُضْرة يا فالحة، شكلنا آخرنا كده، حلة محشي، وهنتظبَّط.
أنا: مش فاهمة.
الفلفل: بس بقي، كفاية دوشة، هو أي حاجة مؤنثة رغاية، مش حاسين باللي هيحصلنا.
أنا: ما بالراحة يا عمنا، بتزعق ليه؟
الفلفل: لا، بس إحنا داخلين علي جهنم، وحضرتكم بتتعرفوا علينا، يا بتاعت الورد، بقولكم ايه، مش عاوز صوت.
طبعا بعد كلامه خوفت، بس فضولي ماخلصش، بالعكس زاد، وبقيت عاوزة أعرف ايه اللي هيحصل، والحقيقة الست اللي اخدتنا ما سابتنيش حيرانة كتير، فتحت الكيس وأخدت البصل والطماطم والخُضْرة كمان وسمعتهم بيصرخوا واحدة ورا التانية -أسكت أنأ أبدا- قمت أتدحرجت وزقيت باقي الباذنجان والفلفل والكوسة، كلهم بقوا يزقوني، ويتخانقوا معايا، لحد ما قدرت اطلع راسي، واشوفهم بيصرخوا ليه؟ وشوفت اللي رعبني، وفي نفس الوقت مقدرتش أدخل من غير ما اشوف الباقي، شفتها بتقطع روس البصل واحدة ورا التانية، والمفترية شالت ورقهم اللي مغطيهم في عز البرد، والابشع حطيتها في آلة تعذيب المفترية، وقطعتهم حتت صغيرة قوي -آه يا عديمة الرحمة- وعذبت الطماطم بآلة تانية، لحد ما بقت شوربة، والخضرا قطعتها، والافظع إنها حطيتهم في حلة على النااااار، أترعبت، وجه الدور علينا -آه جالك الموت يا تارك الصلاة- جابت حاجات غريبة، وبقت تاخد واحدة ورا التانية، شوفتها بتقطع راسهم، وتطلع مصارينهم، سمعت صريخهم، وهي ولا هي هنا -القادرة بتغني- فضلت أستخبي، وأزوغ منها، ما بقاش باقي غيري، وأخدتني، وفضلت أصرخ في إيدها.
انا: سبيني يا مفترية يا خطافة الخضروات يا قتالة الطماطم، تنشكي في بطنك يا بعيدة.
وطبعا ولا فرق معها، آه يا امعائي ياني. اتغير لوني -إهئ إهئ إهئ- بعد ما كنت بيضا وبلمع، بقيت رمادى في بيچ، منك لله يا شيخة، فكركم إرتاحت هي، أبدا، جابت الطماطم والبصل اللي اتبهدلوا معاها وحطت عليهم الرز، وفضلت تحشينا واحدة ورا واحدة، استنوا كدة، اممممم، الله، طعمها حلو، أممم مختلف.
رد عليا الحشو، اللي فوض الرز يتكلم عنه: يا هبلة بتدوقي إيه؟ انت اللي هتداقي بعد شوية، أنت فاكره انها بتأكلك، وبعدين إسمي رز بالخلطة.
أنا: تشرفنا يا سي رز بالخلطة.
الرز: إتْهدِّى بقي، وسيبينا في همنا، انا عارف بيجيبوا الأشكال دي منين؟!
ما رديتش عليه طبعا، أنا أكبر من كده بكتير، بس الفضول منه لله بقي، كنت هموت وأعرف هيحصلي إيه تاني؟ ومش محتاجة إني أقول لكم إن اللي فات حمادة، والجاي حمادة تاني خاااالص.
الست المفترية حطيننا في حلة، وحشرتنا فيها حشر، القادرة فتحت النار تحتنا زي ما عملت في جيرانا، صرخت بعلو صوتي ولا تأثرت، اللي زاد وغطي النار اللي لقيتها بتتصب علي راسي، آاااه يا راسي.
صرخ فيّا كل المحشورين معايا ( الفلفل والكوسة وباقي الباذنجان): يعنى هي نازلة على راسك لوحدك، آااااااه، ناااااااار.
أنا: أنا اللي بحكي قصة حياتي علي فكرة، إهدوا علي نفسكم شوية.
ردت الشوربة: ما تتهدي شوية كدة، وسبينا في همنا، أنت جايبة الروقان ده منين؟ مش حاسة باللي أنت فيه؟! صحيح الإحساس نعمة.
ما سكتش طبعاً: ما أنا يا فالحة بحكي حكايتنا يمكن نصعب علي البشر، ويعتقونا لوجه الله.
ردوا عليٌا في صوت واحدا بما فيهم الشوربة، وكانوا متغاظين علي الأخر: وأنت فاكرة إنهم سامعينك أصلا، أو هيهتموا بكلامك، دول جعانين جعانييييييين.
رديت بثقة: يبقي نعمل ثورة.
رد الفلفل بإندفاع: البصل دايما بيثور يحرق عيونهم ويسيّل أنفهم، وبردوا فرموه. وأنا بحرق بؤهم وبلهب قولونهم وممكن أرفع ضغطهم كمان
رديت باهتمام: وبعدين، البشر بيعملوا ايه؟ بيخافوا؟!
رد بسخرية: بياكلوا ويقولوا الله، وبيخلِّولونا ويحمرونا في الزيت كمان.
الصدمة خرصتني، وعم الصمت المكان، فؤت على لسعة رجلي من السخونة، ما أنا إتبهدلت وإطبقت؛ فصرخت في الشوربة.
أنا: يا ست شوربة إهدي علينا شوية، لَسوعتينا.
إتكلمت بغيظ: حد يسكت البتاعة دى، هلاقيها منك ولا من النار اللي تحت مني.
وبعد وقت طويييييييييل اخيراً طفت النار، وخرجتنا من المعتقل، وانتهت حفلة التعذيب الجماعي، وقلبتنا في طبق كبير وشميت نسيم الهوا البارد بعد الحبسة، بس سمعت كل اللي حواليا بيعيطوا، وبيقولوا إنا لله وإنا اليه راجعون، إستغربت ورفعت عيني ولفيت في المكان وشوفت ناس ضخمة جدا بتمد أيدها ناحيتنا، وأصحابي وجيراني بيطلعوا في إيدهم، ومش محتاجة أقول ان دي اللحظة اللي بكتب فيها مذكراتي والحمد لله لحقت أهو أحكيها كلها، معادي جه وواحد ابن لذينَّ أخدني وبطير معاه -ايه ده- يا نهار شمسه غابت، يا أخي حسبي الله، إيه النفق الضلمة ده؟ يا بتنجناات، يا خضروات، يا بوليييس، الغووووووث آااااااه.
الفلفل: أهي عرفت أخرتها، زمانها بتطحن في معدتهم دلوقتي، كانت فاكره إنها رايحة للحرية، يارب تكون إرتاحت كدة.
وإيد ورا إيد، وواحدة ورا التانية، خِلصت حلة المحشي، وجت أحلي كوباية شاى ممكن واحدة؟!
رد بطرمان الشاي : آه طبعا، ما انت مش عارفة كام زرعة اتقطفت، عشان الكوباية دى.
الكاتبة: لا، هنكتفي بقصة حياة الباذنجان في حلة المحشي، مش عايزين قصة الشاي، ولا السكر، ولا حتي النعناع، السلام عليكم.