رواية النار و الماء الفصل الثالث
random
أخر الأخبار

رواية النار و الماء الفصل الثالث

https://red12345668.blogspot.com


رواية النار و الماء .

الفصل الثالث .
ابناء سيدنا يعقوب ؟
وقفنا فى الفصل الماضى عندما رزق الله عز وجل سيدنا يعقوب بأبنائه الاثنى عشر و كان من ضمنهم سيدنا يوسف عليه السلام ، الذى سوف نقص في هذا الفصل على ما حدث بينه و بين أخواته و ماذا حدث ل والدهم سيدنا يعقوب عليه السلام .
ما وقع من الأمور العجيبة في حياة إسرائيل .
يوسف عليه السلام
قبل أن نبدأ بقصة يوسف عليه السلام ، نود الإشارة لعدة أمور .
تختلف طريقة رواية قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم عن بقية قصص الانبياء ، فجاء قصص الأنبياء في عدة سور ، بينما جاءت قصة يوسف كاملة في سورة واحدة .
قال تعالى في سورة (يوسف) :
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } .
و اختلف العلماء لم سميت هذه القصة أحسن القصص ؟ قيل إنها تنفرد من بين قصص القرآن باحتوائها على عالم كامل من العبر و الحكم . و قيل لأن يوسف تجاوز عن إخوته و صبر عليهم و عفا عنهم . . و قيل لأن فيها ذكر الأنبياء و الصالحين ، و العفة و الغواية ، و سير الملوك و الممالك ، و الرجال و النساء ، و حيل النساء و مكرهن ، و فيها ذكر التوحيد و الفقه ، و تعبير الرؤيا و تفسيرها ، فهي سورة غنية بالمشاهد و الانفعالات . . و قيل : إنها سميت أحسن القصص لأن مآل من كانوا فيها جميعا كان إلى السعادة .
و مع تقديرنا لهذه الأسباب كلها . . نعتقد أن ثمة سببا مهما يميز هذه القصة . . إنها تمضي في خط واحد منذ البداية إلى النهاية .
يلتحم مضمونها وشكلها ، و يفضي بك لإحساس عميق بقهر الله و غلبته و نفاذ أحكامه رغم و قوف البشر ضدها .
{ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } .
لنمضي الآن بقصة يوسف - عليه السلام - و لنقسمها لعدد من الفصول و المشاهد ليسهل علينا تتبع الأحداث .
فمن ذلك قصة يوسف بن راحيل ، و قد أنزل الله عز وجل في شأنه و ما كان من أمره سورة من القرآن العظيم ، ليتدبر ما فيها من الحكم و المواعظ ، و الآداب ، و الأمر الحكيم .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [ يوسف : 1-3]
و جملة القول في هذا الفصل ، أنه تعالى يمدح كتابه العظيم الذي أنزله على عبده و رسوله الكريم ، بلسان عربي فصيح ، بين واضح جلي ، يفهمه كل عاقل ذكي زكي .
فهو أشرف كتاب نزل من السماء ، أنزله أشرف الملائكة على أشرف الخلق في أشرف زمان و مكان ، بأفصح لغة و أظهر بيان ، فإن كان السياق في الأخبار الماضية أو الآتية ذكر أحسنها وأبينها ، و أظهر الحق مما اختلف الناس فيه ، و دمغ الباطل و زيفه ورده .
و إن كان في الأوامر و النواهي ، فأعدل الشرائع و أوضح المناهج ، و أبين حكمًا و أعدل حكمًا فهو كما قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا } [ الأنعام : 115 ] يعني صدقًا في الأخبار ، عدلًا في الأوامر و النواهي .
و لهذا قال تعالى : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [ يوسف : 3 ] أي : بالنسبة إلى ما أوحي إليك فيه .
كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } [ الشورى : 52 - 53 ] .
و قال تعالى : { كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا } [ طه : 99 -101 ] .
يعني من أعرض عن هذا القرآن و اتبع غيره من الكتب فإنه يناله هذا الوعيد ، كما قال في الحديث المروي في المسند ، و الترمذي ، عن أمير المؤمنين على مرفوعًا و موقوفًا :
« من ابتغى الهدى في غيره أضله الله » .
و قال الإمام أحمد : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا هشام ، أنبأنا خالد ، عن الشعبي ، عن جابر ، أن عمر بن الخطاب أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي ﷺ ، قال فغضب و قال :
« أتتهوكون فيها يا ابن الخطاب ، و الذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبرونكم بحق فتكذبونه ، أو بباطل فتصدقونه ، و الذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني » . إسناد صحيح .
و رواه أحمد من وجه آخر ، عن عمرو فيه : فقال رسول الله ﷺ :
« و الذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه و تركتموني لضللتم ، إنكم حظي من الأمم و أنا حظكم من النبيين » .
و قد أوردت طرق هذا الحديث و ألفاظه في أول سورة يوسف ، و في بعضها أن رسول الله ﷺ خطب الناس فقال في خطبته :
« أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم و خواتيمه ، و اختصر لي اختصارًا ، و لقد أتيتكم بها بيضاء نقية ، فلا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون » ، ثم أمر بتلك الصحيفة فمحيت حرفًا حرفًا .

{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }  [ يوسف : 4-6 ] .
قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولدًا ذكرًا ، وسميناهم و إليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم ، و كان أشرفهم و أجلهم و أعظمهم يوسف عليه السلام ، و قد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره ، و باقي إخوته لم يوحَ إليهم ، و ظاهر ما ذكر من فعالهم و مقالهم في هذه القصة يدل على هذا القول .
و من استدل على نبوتهم بقوله : { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ }  [ البقرة : 136 ] و زعم أن هؤلاء هم الأسباط ، فليس استدلاله بقوي لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل ، و ما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء ، و الله أعلم .
و مما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة و النبوة ، أنه نص على واحد من إخوته سواه ، فدل على ما ذكرناه ، ويستأنس لهذا بما قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عبد الرحمن عن عبد الله بن دينار ، عن أبيه ، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال :
« الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم » .
انفرد به البخاري ، فرواه عن عبد الله بن محمد ، و عبدة عن عبد الصمد بن عبد الوارث به .
و قد ذكرنا طرقه في قصة إبراهيم بما أغنى عن إعادته ههنا و لله الحمد و المنة .
قال المفسرون و غيرهم : رأى يوسف عليه السلام و هو صغير قبل أن يحتلم كأن { أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا } و هم إشارة إلى بقية أخوته { وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ } هما عبارة عن أبويه قد سجدوا له ، فهاله ذلك .
فلما استيقظ قصها على أبيه ، فعرف أبوه أنه سينال منزلة عالية ، و رفعة عظيمة في الدنيا و الآخرة ، بحيث يخضع له أبواه و إخوته فيها ، فأمره بكتمانها و أن لا يقصها على إخوته كيلا يحسدوه ، و يبغوا له الغوائل ، و يكيدوه بأنواع الحيل و المكر .
و هذا يدل على ما ذكرناه ، و لهذا جاء في بعض الآثار : استعينوا على قضاء حوائجكم بكتمانها ، فإن كل ذي نعمة محسود .
و عند أهل الكتاب أنه قصها على أبيه و أخوته معًا ، و هو غلط منهم .
{ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : و كما أراك هذه الرؤيا العظيمة فإذا كتمتها { يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ } أي : يخصك بأنواع اللطف و الرحمة .
{ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي : يفهمك من معاني الكلام و تعبير المنام ما لا يفهمه غيرك .
{ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } أي : بالوحي إليك .
{ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ } أي : بسببك و يحصل لهم بك خير الدنيا و الآخرة .
{ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ } أي : ينعم عليك و يحسن إليك بالنبوة كما أعطاها أباك يعقوب ، و جدك إسحاق ، و والد جدك إبراهيم الخليل .
{ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } كما قال تعالى : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }  [ الأنعام : 124 ] .
لهذا قال رسول الله ﷺ لما سئل أي الناس أكرم ؟
قال : « يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله » .
و قد روى ابن جرير ، و ابن أبي حاتم في تفسيريهما ، و أبو يعلى ، و البزار في ( مسنديهما ) من حديث الحكم بن ظهير - و قد ضعفه الأئمة - عن السدي ، عن عبد الرحمن بن سابط ، عن جابر قال : أتى النبي ﷺ رجل من اليهود يقال له بستانة اليهودي ، فقال :
يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف أنها ساجدة له ما أسماؤها .
قال فسكت النبي ﷺ فلم يجبه بشيء ، و نزل جبريل عليه السلام بأسمائها .
قال : فبعث إليه رسول الله فقال : « هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ » .
قال : نعم .
فقال : « هي جريان ، و الطارق ، و الديال ، و ذو الكتفان ، و قابس ، و وثاب ، و عمردان ، و الفيلق ، و المصبح ، و الضروح ، و ذو الفرع ، و الضياء ، و النور » .
فقال اليهودي : أي و الله إنها لأسماؤها .
و عند أبي يعلى : فلما قصها على أبيه .
قال : هذا أمر مشتت يجمعه الله ، و الشمس أبوه ، و القمر أمه .
{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ }  [ يوسف : 7-10 ] .
ينبه تعالى على ما في هذه القصة من الآيات و الحكم ، و الدلالات و المواعظ و البينات ، ثم ذكر حسد إخوة يوسف له على محبة أبيه له و لأخيه ، يعنون شقيقه لأمه بنيامين أكثر منهم ، و هم عصبة أي : جماعة يقولون : فكنا نحن أحق بالمحبة من هذين .
{ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي : بتقديمه حبهما علينا . 
ثم اشتوروا فيما بينهم في قتل يوسف ، أو إبعاده إلى أرض لا يرجع منها ، ليخلو لهم وجه أبيه أي لتتمحض محبته لهم ، و تتوفر عليهم و أضمروا التوبة بعد ذلك ، فلما تمالؤا على ذلك ، و توافقوا عليه .
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ } قال مجاهد : هو شمعون .
و قال السدي : هو يهودا .
و قال قتادة ، و محمد بن إسحق : هو أكبرهم روبيل .
{ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ } أي : المارة من المسافرين .
{ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ما تقولون لا محالة ، فليكن هذا الذي أقول لكم فهو أقرب حالًا من قتله أو نفيه و تغريبه ، فأجمعوا رأيهم على هذا فعند ذلك قالوا :
{ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ } [ يوسف : 11-14 ] .
طلبوا من أبيهم أن يرسل معهم أخاهم يوسف ، و أظهروا له أنهم يريدون أن يرعى معهم ، و أن يلعب و ينبسط ، و قد أضمروا له ما الله به عليم ، فأجابهم الشيخ عليه من الله أفضل الصلاة و التسليم : يا بني يشق علي أن أفارقه ساعة من النهار ، و مع هذا أخشى أن تشتغلوا في لعبكم و ما أنتم فيه ، فيأتي الذئب فيأكله ، ولا يقدر على دفعه عنه لصغره و غفلتكم عنه .
{ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ } أي : لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ، أو اشتغلنا عنه حتى وقع هذا و نحن جماعة ، إنا إذا لخاسرون أي : عاجزون هالكون .
و عند أهل الكتاب أنه أرسله وراءهم يتبعهم ، فضل عن الطريق حتى أرشده رجل إليهم . و هذا أيضًا من غلطهم وخطئهم في التعريب ، فإن يعقوب عليه السلام كان أحرص عليه من أن يبعثه معهم ، فكيف يبعثه وحده .
{ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَجَاؤوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }  [ يوسف : 15- 18 ] .
لم يزالوا بأبيهم حتى بعثه معهم ، فما كان إلا أن غابوا عن عينيه ، فجعلوا يشتمونه و يهينونه بالفعال و المقال ، و أجمعوا على إلقائه في غيابت الجب أي : في قعره على راعوفته ، و هي الصخرة التي تكون في وسطه ، يقف عليها المائح - و هو الذي ينزل ليملي الدلاء إذا قل الماء - و الذي يرفعها بالحبل يسمى الماتح .
فلما ألقوه فيه ، أوحى الله إليه أنه لا بدَّ لك من فرج و مخرج من هذه الشدة التي أنت فيها ، و لتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا ، في حال أنت فيها عزيز و هم محتاجون إليك ، خائفون منك { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } .
قال مجاهد و قتادة : و هم لا يشعرون بإيحاء الله إليه ذلك .
و عن ابن عباس : و هم لا يشعرون أي : لتخبرنهم بأمرهم هذا في حال لا يعرفونك فيها ، رواه ابن جرير عنه .
فلما وضعوه فيه و رجعوا عنه ، أخذوا قميصه فلطخوه بشيء من دم ، و رجعوا إلى أبيهم عشاء و هم يبكون أي على أخيهم . و لهذا قال بعض السلف : لا يغرنك بكاء المتظلم ، فرب ظالم و هو باك .
و ذكر بكاء إخوة يوسف ، و قد جاءوا أباهم عشاء يبكون ، أي في ظلمة الليل ليكون أمشى لغدرهم لا قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا } أي ثيابنا { فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ } أي : في غيبتنا عنه في استباقنا .
وقولهم { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } أي : و ما أنت بمصدق لنا في الذي أخبرناك من أكل الذئب له ، ولو كنا غير متهمين عندك ، فكيف و أنت تتهمنا في هذا ، فإنك خشيت أن يأكله الذئب، وضمنا لك أن لا يأكله لكثرتنا حوله ، فصرنا غير مصدقين عندك ، فمعذور أنت في عدم تصديقك لنا و الحالة هذه .
{ وَجَاؤوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ } أي : مكذوب مفتعل ، لأنهم عمدوا إلى سخلة ذبحوها ، فأخذوا من دمها فوضعوه على قميصه ، ليوهموا أنه أكله الذئب ، قالوا و نسوا أن يخرقوه ، و آفة الكذب النسيان .
و لما ظهرت عليهم علائم الريبة لم يرُج صنيعهم على أبيهم ، فإنه كان يفهم عداوتهم له ، و حسدهم إياه على محبته له من بينهم أكثر منهم ، لما كان يتوسم فيه من الجلالة و المهابة التي كانت عليه في صغره ، لما يريد الله أن يخصه به من نبوته . 
و لما راودوه عن أخذه ، فبمجرد ما أخذوه أعدموه ، و غيبوه عن عينيه ، جاؤا و هم يتباكون و على ما تمالئوا عليه يتواطئون ، و لهذا { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } .
و عند أهل الكتاب : أن روبيل أشار بوضعه في الجب ، ليأخذه من حيث لا يشعرون ، و يرده إلى أبيه ، فغافلوه و باعوه لتلك القافلة . 
فلما جاء روبيل من آخر النار ليُخرج يوسف لم يجده ، فصاح وشق ثيابه ، و عمد أولئك إلى جدي فذبحوه ، و لطخوا من دمه جبة يوسف ، فلما علم يعقوب شق ثيابه ، و لبس مئزرًا أسود و حزن على ابنه أيامًا كثيرة ، و هذه الركاكة جاءت من خطئهم في التعبير و التصوير .
يا ترى ايه هيحصل تانى مع سيدنا يوسف ؟ 
انتظروا الفصل القادم .
يتبع .
************



رواية النار و الماء الفصل الثالث
بقلم الكاتبة / هدير خليل

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent