رواية الواشية
random
أخر الأخبار

رواية الواشية

 

رواية الواشية للكاتبة هدير خليل

رواية الواشية

الكاتبة/ هدير خليل

1- ليلة اختفاء فاطمة


كنت أظن أنني أدرّس للعقول دون أن أخلطها بالقلوب، لكنني لم أنتبه أن هناك أشخاصًا يخترقون كل الحصون ليسكنوا القلوب... فشعرت أنني أتحول من معلمة حيادية المشاعر، إلى صديقة... أخت... مُعلمة ومُحبة... ومهما اختلف المسمّى، كانت النتيجة واحدة: أنني ارتقيت... لكنني، في زحمة فرحتي بتلك المشاعر الجيّاشة، لم أدرك أن كلما أحببتُ أكثر... تألمتُ أكثر عند الفُراق... هذه هي قواعد الدنيا... التي لم أكن أفقهها.

كان آخر يوم في المدرسة، وبعدها سوف تبدأ الامتحانات. كنت أصحح آخر كراسة، والتي كانت تخص فاطمة. كان جرس المغادرة لا يتوقف عن الرنين لكي نهبط حتى يغلقوا باب المدرسة. نظرت لفاطمة قائلة:

- في أي حاجة تاني وقفة معاكي؟

هزت رأسها بالنفي وهي تحمل كراستها.

- لا يا مس، شكرًا.

ابتسمت لها وأنا أيضًا أقوم بحمل متعلقاتي وحقيبتي.

- طيب، يلا بينا نمشي قبل ما يقفلوا باب المدرسة علينا وينسونا.

أجابتني بهدوء وهي تضع متعلقاتها في الحقيبة.

- هقفل الشباك والنور وأجي وراه حضرتك.

هززت رأسي بالموافقة وأنا أسبقها بالمغادرة وأنا أستشعر خطوات خلفي تتبعني. كنت أظن أنها فاطمة من تسير خلفي، حتى أنني تحدثت معها لتسرع، ولكن لم أحصل على رد منها. فنظرت خلفي، ولكني لم أجد أحدًا. كنت قد وصلت إلى الطابق الأرضي أمام غرفة المدير، الذي نظر لي بتعجب من وقوفي هكذا متسمرة في مكاني أتطلع على السلم.

- في حاجة يا أستاذة هدير؟

نظرت له بخضة، حاولت أن أسيطر عليها، فأنا لم انتبه له.

- هااا... لا، بس في بنت فوق مستنيها تنزل.

كشر بين حاجبيه بتعجب قائلاً:

- بنت مين؟! مفيش حد فوق، أنا لسه نزل من فوق بعد ما بصيت في كل الفصول.

نظرت له باستغراب، فكيف ذلك؟ فاطمة كانت معي منذ قليل.

- ازاي دي كانت معايا فوق بصحح لها الكراسة.

نظرته كانت تحمل عدم التصديق، فكيف يصدقني ويكذب نفسه وهو من فتش الفصول فصل فصل، وبرغم من ذلك جاراني في الحديث.

- ايه اسمها البنت دي؟ وسنة كام؟

أجبته بقلق، ففاطمة كل هذا الوقت ولم تهبط.

- اسمها فاطمة.. في سنة تانية.

رد بما طمأنني لألتقط أنفاسي أخيرًا.

- ايوه ايوه، دي نزلت من السلم التاني شوفتها وأنا نازل.

حركت رأسي براحة وأنا أتحرك للمغادرة.

- طيب الحمدلله.. أمشي أنا بقا، السلام عليكم.

- وعليكم السلام.

غادرت المدرسة وانتظرت قليلاً حتى أجد سيارة توصلني إلى المنزل. لم انتظر طويلاً حتى رأيت سيارة عمي سلامة لأصعد بها حتى توصلني. أخذ الطريق مني ساعة حتى وصلت لمنزلي. ابدلت ملابسي وصليت وبعد ما انتهيت امسكت هاتفي أعبث به قليلاً حتى يأتي والدي لنتاول الغداء. ولكن ظهرت أمامي رسالة من رقم فاطمة جعلت جسدي يرتجف من الخوف.

- مس هدير، الحقيني أنا محبوسة في المدرسة.

نظرت للرسالة بارتباك وتخبط. كيف ذلك؟ فالمدير أخبرني أنه رآها تغادر. لم أفكر كثيرًا، وكنت قد أرتديت ملابسي. نظرت لي والدتي بتعجب:

- لابسه كده ورايحة فين؟

صمت لثوانٍ أفكر في رد. لو أخبرت والدتي الحقيقة لن تدعني أخرج، لذلك اختلقت كذبة صغيرة لعل الله يغفرها لي، فغرضي خير.

- اتصلوا بي في المدرسة عايزني.

لم تكتفِ والدتي بهذه الكلمات، بل أغرقتني بالمزيد من الأسئلة التي حاولت أن أتملص منها قدر الإمكان، حتى في النهاية خرجت من البيت وأنا أتنفس بانتصار لهروبي من كل تحقيقاتها. أسرعت الخطى حتى أصل إلى المدرسة في أسرع وقت ممكن، ولكن لم انتبه إلى أمر مهم. لم أحسب له حسابًا إلا عندما وصلت أمام المدرسة. باب المدرسة مغلق من الخارج بالقفل. كيف سأفتحه؟ صفعت جبيني من غبائي. أخذت أتلفت وأحاول أن أفكر في حل. تذكرت أن لدي رقم مدير المدرسة، فأخرجت هاتفي لأتصل به. ومع استمرار رنين الهاتف، ويدي تعبث في قفل الباب، وجدته يفتح في يدي. فنظرت له بتعجب، كيف حدث ذلك؟ يبدو أنهم لم ينتبهوا لغلق الباب جيدًا. أغلقت المكالمة حتى أنني لم انتبه إذا كان المدير أجاب أم لا؟ دفعت باب المدرسة ليفتح، وخطوت إلى الداخل وأنا أنظر في كل مكان حولي، فالمكان صامت بطريقة مخيفة، على عكس ما كان به في الصباح وهو يعج بضجيج الطلاب. أخذت أبحث بعيني على فاطمة، ولكن لم أجدها. أليس من المفترض أن تكون في انتظاري أمام الباب؟ أين هي إذا؟! أخرجت هاتفي لأحادثها وأسألها عن مكانها.

- فاطمة، أنتي فين؟ أنا مــ...

جحظت عيني بصدمة من غبائي وتسرعي عندما استوعبت سؤالًا مهمًا: من أين جاءت فاطمة بالهاتف، فهو غير مسموح باصطحاب الهاتف داخل المدرسة؟ لعنة غبائي ووقوعي في مثل تلك المزحة السخيفة. أخذت أتوعد لها وأنا أتحرك لأغادر المدرسة، وأسحب الباب لأغلقه مرة أخرى، لتخرج مني صرخة مرتعبة وجسد ينتفض بقوة من هول ما رأيت!

حيث كان مكتوب بالدماء على باب المدرسة.

- ما الذي أتي بك إلى هنا يا صغيرة

عندما كانت عيني تقرأ تلك الكلمات أخترق سمعى همس يقول نفس الجملة بفحيح الأفاعي وبعد قرأته لجملة وجدت عين تظهر لى من بين فتحت الباب لوجه عروس قطنية أبيض يسيل من عينيها كحل كأنه دمعه وشفايف ملطخه بأحمر الشفاه كأنها أكلة لحمه ميته.

- مرحبا يا صغيرة

تلك الكلمات أخر ما استمعت له قبل أن افقد الوعي عندما امسك يدي.

عندما استيقظت، وجدت نفسي في غرفتي. نظرت نحو النافذة، فرأيت أشعة الشمس تتسلل بخجل، كأنها تتردد في الإعلان عن صباح جديد. مددت يدي أبحث عن هاتفي لأعرف الوقت، فإذا به يشير إلى السادسة صباحًا. التقطت أنفاسي ببطء، وأحمد الله في قلبي أن كل ما عشته لم يكن إلا كابوسًا مزعجًا.

خرجت من غرفتي لأجد أمي تضع طعام الإفطار. وما إن رأتني حتى هتفت بقلق:

– أنتي كويسة؟ حاسّة بحاجة بتوجعك؟

استغربت سؤالها، وراودني الشك، فهتفت وأنا أرجو من داخلي أن يكون قلقها فقط لأني نمت منذ ظهر الأمس:

– إيه اللي يوجعني؟ ما أنا زي الفل قدامك! ولا ده عشان نمت من امبارح؟

جذبتني لتجلسني إلى جوارها، ثم قالت بنبرة مشوبة بالاستفهام والقلق:

– أنتي امبارح لما طلعتي، قلتي إن المدرسة اتصلوا بيكي وقالوا عايزينك. دلوقتي عايزة أفهم إيه اللي حصل هناك؟ إزاي يغمى عليكي وتنهاري، والناس يلمّوكي من الشارع ويتصلوا بينا عشان نجيلك؟! ومتقوليش إن المدرسة كلمتك، لأن الناس اللي ودوكي المستشفى قالوا إنهم لقيوكي مرمية قدام باب المدرسة، والباب كان مقفول!

تجمد عقلي، وأنا أحاول استيعاب كلمات أمي. ماذا تعني بكل هذا؟ هل يُعقل أن ما ظننته كابوسًا... كان في الحقيقة واقعًا؟ 

ارتجف جسدي من الخوف عندما تذكرت وجه تلك الدمية التي ظهرت لي وأمسكت بيدي. لاحظت أمي شرودي وشحوب وجهي الذي يُشبه وجوه الأموات، فنهضت مفزوعة من مكانها لتُحضر لي بعض الماء. لم أشعر بكل ذلك إلا عندما لامست قطرات الماء شفتاي، كانت أمي تسقيني، فشربت القليل، وحاولت أن أشرح لها ما حدث بأي كلمات تخفف من قلقها، حتى لا يصيبها الفزع أكثر.

مرّ اليوم، وعقلي لا يزال شاردًا فيما حدث. حاولت إرسال رسالة إلى فاطمة على تطبيق الواتساب، لكنها لم تجب. مرّ يوم تلو الآخر، حتى انقضى أسبوع كامل على تلك الحادثة، وجاء موعد الامتحانات. جيد... الآن يمكنني أن أطمئن على فاطمة، فهي بالتأكيد لن تتغيب عن الامتحان.

أول ما فعلته حين وصلت إلى المدرسة هو أنني بحثت عن مكان لجنة امتحان فاطمة، ومن حسن حظي أنها كانت في نفس اللجنة التي سأراقب فيها. مرّ الوقت وبدأ الامتحان، لكن فاطمة لم تظهر. حاولت أن أطمئن نفسي بأنها ربما تأخرت... ولكن هذا الاطمئنان تبدّد تمامًا عندما انتهى وقت الامتحان وحان موعد المغادرة.

كدت أبكي خوفًا عليها، فأسرعت بخطى قلقة أبحث عن صديقتها المقرّبة نيرة، فهي أقرب الناس إليها، كأنها توأمها الملتصق، وبالتأكيد ستعلم أين هي.

وجدتها أخيرًا تقف مع بعض الفتيات يناقشن أسئلة الامتحان. ناديت عليها: 

– نيـــــــرة!

– نعم يا مس؟

اقتربت منها وسألتها عن فاطمة، ولاحظت على الفور ارتباكها وتلعثمها في الحديث، قبل أن تتمكن من تمالك نفسها وتتكلم بصوت باكٍ مختنق، والدموع تتساقط من عينيها:

– فاطمة ليها أكتر من أسبوع مش عارفين عنها حاجة. أهلها بيدوروا عليها ليل ونهار، بس مش لاقينها.

شعرت بوخزة في قلبي على فقدان طالبتي الغالية. ماذا حدث لها؟ هل اختُطفت؟ هذا أول ما خطر في بالي، فنطقت به فورًا:

– هي اتخطفت؟!! حد طلب فدية من أهلها؟ ولا إيه اللي حصل؟

هزّت رأسها نفيًا، وأجابتني:

– لأ، محدّش اتصل بأهلها. حتى الناس بقوا يقولوا كلام مش كويس، وكل واحد بيألف قصة من عنده.

نعم، هذا حال مجتمعنا. لا يرحم، بل يطلق الأحكام دون أن يعرف الحقيقة. هم لا يروون القصة... بل يختلقونها، ويكتبون نهايتها كما يحلو لهم!

لم أتحمل سماع المزيد. ركضت إلى الحمام لأغسل وجهي من الدموع التي هطلت دون وعي مني. بعد أن هدأت وخرجت، وجدت المدرسة شبه خالية، لم يبقَ فيها سوى ثلاثة أو أربعة معلمين، فقد غادر الطلاب جميعًا.

تحركت لأغادر أنا أيضًا، بخطوات مرتجفة. فمنذ ما حدث معي، أصبحت أخشى المدرسة وهي فارغة. لم أكن قد انتهيت من عبور الممر حتى ظهرت أمامي فجأة قطة سوداء! صرخت دون وعي، وأنا أحدق بها بريبة وأحدثها:

– أنتي جيتي منين، يخرب بيتك؟!

بدأت أتراجع إلى الخلف، لكنها كانت تقترب مني أكثر. جسدي يرتجف من الرعب، ودموعي تنهمر، خاصة عندما أمسكت القطة بملابسي بفمها وبدأت تسحبني معها! حاولت أن أقاوم، لكن قوة سحبها كانت أكبر مني.

لا أعرف كيف! كم تمنيت وقتها أن أفقد الوعي، لكن هذا لم يحدث. من شدة الرعب، رغبت فى الذهاب إلى الحمام، فتلك التى تتمسك بملابسي بالتأكيد ليس قطة... إنه عفريت!

واصلت سحبها لي حتى وصلنا إلى درج الخروج. تشبثت به بيدي وقدمي، وكأنني أركب حصانًا... أو حتى حمارًا! لا يهم، المهم أن أنجو!

– وحياة أمك يا شيخ سيبني! أنا ما عملتش حاجة، دا أنا حتى لما بدخل الحمام بقول الدعاء! أنت جيت منين؟ يخرب بيتك! عـــاااااااااا يا مامااااااا! حد يلحقني!

لكن ما أفزعني حقًا... ليس سحبها، ولا تمسكها بملابسي، بل ما رأيته بعد ذلك!

القطة... وقفت على قدميها الخلفيتين، ونظرت إليّ بنظرة باردة، كأنها تقول: "حقًا؟".

لكن اللحظة المرعبة بحق، كانت عندما تحولت عيناها بالكامل إلى اللون الأسود... وكان هذا آخر ما رأيته قبل أن أفقد الوعي.

لقد مرّت أربعة أيام من الامتحانات، وفي كل مرة يتكرر هذا اللقاء بيني وبين ذلك القط، وينتهي الأمر بفقداني الوعي. حتى أنني أصبحت مثار شفقة الجميع في المدرسة، معتقدين أن سبب إغمائي أمرٌ عضوي.

وقفت في مكاني، وأنا أطالع ذلك القط... ها هو، مثل كل يوم، يظهر لي وينتظرني.

– إنت عايز مني إيه؟ أنا أذيتك؟ أذيت حد من قرايبك؟ قولي بس عشان أعرف... آآه لا، بص، ما تقربش، وأنا هاجي وراك زي ما إنت عايز.

نظر إليّ وكأنه يشك في حديثي! يا للروعة... حتى الجن لا يثقون بكلامي، فماذا بقي للإنسان غير السمعة الطيبة؟ حاولت أن ألهي نفسي بهذا الحديث الساخر، حتى لا أرتعب وأفقد وعيي من الرعب الذي أعلم أنه ينتظرني. تحرك خطوتين، ثم عاد بنظره إليّ عندما لم أتبعه.

– اتفضل، معاليك! أنا جاية وراك علطول.

أصدر صوتًا يشبه التنهيدة، وكأنه ممتعض من سخريتي، ثم بدأ يتحرك، فتبعتُه بحذر، محاوِلة أن أحافظ على مسافة آمنة بيننا.

وصلنا إلى نهاية الدرج، وكان أمامي باب المدرسة مفتوحًا كأنه يناديني. تحركت قدماي برغبة في الركض إليه، لكنني تجمدت في مكاني... لم أستطع الحركة. نظرت خلفي، فوجدته يقف على قائمتيه الخلفيتين، يكشّر عن أنيابه بغضب، وكأنه على وشك أن يهجم عليّ!

– لا لا، بالله عليك! عيلة وغلطة، فكني بس... وأنا همشي معاك، من غير أي خيانة!

اقترب مني، وارتجف جسدي... يبدو أن النهاية قد اقتربت. لكنه – بدلًا من مهاجمتي – أمسك بملابسي بأسنانه وبدأ يجرّني.

سحبني نحو الحديقة الخلفية للمدرسة، قرب حمّامات الطلاب. وهناك، توقف وبدأ يقترب من بقعة محددة في الأرض، ثم خفض رأسه نحوها، ورفعه إليّ، وأعاد الحركة أكثر من مرة. لم أفهم ماذا يريد. نظر إليّ بغضب، وكأنه يشتمني لغبائي، ثم بدأ يخدش الأرض بأظافره بعنف. عندها فقط فهمت أنه يريدني أن أحفر.

بدأت ألتفت حولي، أبحث عن شيء يساعدني، حتى وجدت غطاءً معدنيًا مرميًا في أحد الزوايا. أمسكت به، وبدأت الحفر. وبعد عدة ضربات، شعرت بالغطاء المعدني يصطدم بشيء تحت التراب. حفرت أكثر... حتى ظهر قماش ملابس. قلبي بدأ يخفق بجنون. أكملت الحفر، حتى ظهر جسد شخص ما. لم أستطع أن أتبين مَن هو... فقد كان وجهه مغطًى بالتراب. لم أتحمّل رؤية المزيد... وسقط فاقدة الوعى.

استيقظتُ ببطء، وأنا أسمع صوت خافت يُردد اسمي:

– مس... مس، فوقي بالله عليكي!

كان الضوء باهتًا، والصوت يأتي من بعيد كأنني أطفو فوق حلم ثقيل. فتحت عيني بصعوبة، لأجد إحدى المعلمات تحاول إفاقتي، وقد تجمع حولي بضعة معلمين وموظفين، نظراتهم مزيج من القلق والحيرة.

– إنتي كويسة؟ مالك؟ إيه اللي عمل كده فيك؟

نظرتُ حولي بتوتر... كنت لا أزال في الحديقة الخلفية، والمكان الذي حفرت فيه أصبح محاطًا بشريط بلاستيكي أصفر، وشرطة تقف هناك، وأحدهم يُخرج الجسد المغطى بالتراب. ارتجف جسدي مجددًا... لا لم يكن حلمًا. اقترب ضابط في منتصف العمر، بوجه جامد لا يحمل أي ملامح طيبة، وانحنى قليلًا أمامي:

– حضرتك اللي بلغتي؟

لم أستطع الرد، فقط أومأت برأسي بخفة، والدموع تتساقط دون إرادتي فقبل أن يظهر لى القط كنت قد اتصلت بالشرطة. نظر إليّ الضابط بتمعن، ثم قال:

– الجثة دي، كانت مدفونة من فترة... تقريبًا أسبوع. ومفيش أي إثبات شخصية معاها. بس ملابسها... مطابقة تمامًا لوصف واحدة مُبلّغ عنها في قسم الشرطة... اسمها فاطمة عبد الرازق.

شعرت كأن الأرض تدور بي. فاطمة؟ مستحيل! لا يمكن أن تكون هي! ولكن... فجأة ربطت كل شيء.. غيابها... القط... مكان الحفرة... كل شيء كان يشير لها، لكنني رفضت التصديق. قاطع أفكاري صوت الضابط من جديد:

– عندك فكرة إزاي وصلتي للمكان ده؟ ومن اللي خلاكي تحفري هنا بالذات؟

أردت أن أقول الحقيقة... أن قطة سوداء ذات عيون مخيفة سحبتني حتى هنا... أن هناك شيئًا غامضًا يقودني كل يوم نحو فاطمة... لكن كيف أقول هذا ولا أُتهم بالجنون؟ كيف لى أن أعلم أن أول صرخة من فاطمة كانت ستصلني على هيئة قط أسود... يفتح لي بابًا نحو القبر الذي وُري فيه ضمير أحدهم.

– أنا... كنت ماشية، وشفت الأرض كأن حد حفر فيها... معرفش ليه حسيت إن لازم أبص... والباقي أنتم عارفينه.

لم يبدُ الضابط مقتنعًا تمامًا، لكنه لم يُكذبني. تم نقل الجثمان، وأُخذت إفادتي كاملة، ثم سمحوا لي بالمغادرة. في طريقي للخروج، التفتُّ خلفي. بحثت بعيني عن القط... عن الكائن الذي غيّر مجرى حياتي في أيام معدودة. لكنه لم يكن هناك.

اختفى.

كأنه لم يكن موجودًا من الأساس.

أمشي وأنا أشعر أن القصة لم تنتهِ بعد... هناك خيوط كثيرة لم تُحَل... لماذا أنا بالذات؟ ولماذا كانت القطة تتبعني كل يوم؟ وهل هذا الكائن حقًا كان يسعى لإنقاذ فاطمة... أم كان يُرسل لي رسالة أعمق؟ أنا لم أكن أبحث عن قاتل... كنت فقط أريد أن أعرف أين فاطمة؟ ولكن الآن أظن أني أريد أن أعرف من غدر بـــ فاطمة...

في الليلة نفسها، وبينما كنت أستعد للنوم، شعرت بشيء بارد يلامس قدمي... نظرت للأسفل. كان هناك... يقف بهدوء على حافة السرير، يرمقني بعينيه السوداوين، ثم يدير رأسه بهدوء نحو النافذة المفتوحة... وينظر لي وكأنه يقول:

"القصة لم تنتهي بعد..."

فبعض الأسرار لا يُخفيها الليل...

بل يُوشى بها في وضح النهار، لتنكشف الحقيقة... فحين يصمت الجميع، تتحدث القبور... لتأخذ بثأر ساكنيها.

يتبع

___________


ايه رأيكم فى الفصل؟

هذه محاولة منى للعودة للكتابة أتمني أن تنال أعجابكم

دمتم بخير❤️

هدير خليل


رواية الواشية
بقلم الكاتبة / هدير خليل

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent